قصة ماذا قدمت لأمك ؟!! بقلم أحمد النجار كاتب عربي


 قصة قصيرة
ـــــــــــــــــــــ

           ماذا قدمت لأمك ؟!
                     بقلم  
                   أحمد عبد اللطيف النجار
                          كاتب عربي


عقوق الوالدين ..!
أتدري يا ولدي الثمن الباهظ الذي سوف تدفعه من عمرك كله نتيجة عقوقك والديك ؟!
أكيد أنت لا  تدري !
لو كنت تدري ما أقدمت علي تلك الجريمة البشعة في حق الإنسانية جمعاء !
الواجب الرباني يحتم علينا جميعاً البر بوالدينا والإحسان إليهم .
والواجب الإنساني يفرض عليك حبّك لأمك ورعايتها عند الكِبر .
والواجب الأخلاقي يدعوك إلي العدل بين أمك وزوجتك !
الزوجة موجودة ويمكن تعويضها ، أما أمك فمفقودة ، ولن تجد لك بين العالمين أماِ سواها !
قلب أمك هو بالتأكيد أغلي من قلب زوجتك ، لأنه قلب يعطي بلا حدود ، ولا ينتظر منك حتي كلمة شكر وعرفان !
أنت  فلذة كبدها التي تمشي علي الأرض !
أنت  زرع عمرها !
صاحبي أيوب ، فتي يافع ، بدأ حياته مبكراً  في قريته الصغيرة ، وسط دفء الأسرة مع أبويه وأخوته .
كان أيوب يشغل وظيفة مرموقة في مدينته  أسوان ، وكان مطمعاً لكل فتيات مدينته الكبيرة !
لكن أبيه تمني عليه أن يرتبط بفتاة من أسرته ، ذات أصل طيب وبنت حلال .
لكن أيوب كان قد تعّلق بفتاة ذات جمال وحشي ، يثير في المرء كل غرائزه الحيوانية وغير الحيوانية !
إنها إحسان التي تزوجها الفتي دون رضا أبيه وأمه وكل أسرته !
عندما علم أبيه بفعلته ؛ غضب عليه غضباً شديداً ، وكانت القطيعة النهائية بين أيوب وكل جذوره ، حيث حرّم عليه أبوه زيارتهم وتبرّأ  منه للأبد !
بدأ أيوب حياته الزوجية وهو منقطع الجذور عن كل  ماضيه وأهله  واستغرق تماماً في حياته الجديدة مع زوجته الوحشية إحسان  وعمله المرموق !
فجأة أفاق علي واقعه المرير مع إحسان، تلك الزوجة
المتمردة بكل معني الكلمة !
لقد ندم كثيراً لعدم سماعه نصيحة  أبيه وأمه !
لكن هل ينفع الندم بعد فوات الأوان ؟!
قرر أيوب تطليق زوجته بعد أن أنجب منها زهرتين بريئتين !
وحاول كثيراً الزواج مرة أخري ، فلم يوفقه الحظ ؛ حيث رفضته كل العائلات الكريمة !
بعد فترة من الزمن جاهدت مطلقته إحسان  كثيراً للرجوع إليه ، ونصبت حوله شباكها ، وأخذت تتمسكن  وتتذلل وتندم علي كل أخطاءها معه !
نجحت المتوحشة إحسان في مسعاها ، ووافق الزوج المخدوع في رجوعها إليه !
وما أن دخلت تلك المتمردة حياة أيوب حتي عادت ريما إلي عاداتها القديمة !!
بل وأخذت تعايره بأنه إنسان تافه ، ساذج ، إذ وافق علي رجوعها إليه  رغم علمه بعيوبها ونقائصها الكثيرة !
ساعتها انفعل أيوب وقام بطلاقها طلاقاً بائناً لا رجعة فيه !
وجد الرجل نفسه وحيداً مع ابنتيه ؛ بعد أن قطع كل صلاته بأبيه وأمه وأخوته وأهل قريته منذ زمن بعيد !
ساعتها تمني أن يعود إلي أبيه وأمه ؛ نادماً علي ما فعله معهم ، ويركع تحت أقدامهم راجياً الصفح والغفران !
وبالفعل ذهب أيوب إلي قريته ، وهناك عرف من أول شخص قابلة من معارفه أن أبيه مات منذ سنتين ، مات وهو غاضب عليه !
ساعتها ارتج كل كيانه  واشتد عليه الحزن والهم ، خاصة بعد أن تم إحالته فجأة للتقاعد بدون أي أسباب واضحة !
حاول أيوب مع أمه كثيراً ، حاول أن يستعطفها كي تعفو عنه وتغفر له ما كان  منه في حقها وحق أبيه رحمه الله .
عرض عليها أن ترحل من القرية وتقيم معه في المدينة  لرعاية ابنتيه ، لكن أمه  رفضت بإصرار ، معلنة إياه أنها تنفذ وصية أبيه الراحل ، وأنه هو السبب في موته مقهوراً !
عاش أيوب حزيناً ، يائساً ، يتجرع  مرارة عقوقه والديه وقطع صلة الأرحام !
إنه يدفع اليوم ثمن عقوقه لأمه وأبيه في الدنيا ، وفي الآخرة ينتظره العذاب الأكبر نتيجة إصراره علي السير وراء أهواءه ونزواته !
لقد عميت بصيرته ولم يفكر التفكير السليم في اختيار شريكة حياته وأم أولاده !
وللأسف الكثيرين من شباب هذا الجيل يفكرون مثل صاحبي أيوب !
ما يهمهم هو جمال الشكل لا جمال الروح !
آه لو يعرفون أن الجمال سوف يزول ذات يوم ، أما الروح الطيبة ، النقية فباقية وحبها باقي إلي الأبد !
لعل شباب اليوم يتعلمون الدرس جيداً ، وأظنهم لن يتعلموا !
هؤلاء الشباب  الواهم كل حياته ومصيره متعلق بشياطين التكنولوجيا ( الفيس بوك وشركاه ) !
الشاب منهم يجلس أمام شاشة الكمبيوتر 24 ساعة وأحياناً كثيرة لا تكفيه 24 ساعة كي يعيش الوهم العريض في العالم الافتراضي !
وأقول لصاحبي أيوب ، ماذا قدمت لأمك يا أيوب غير الأحزان والحسرة والقهر !
لا تنتظر منها يا صاح أي عطف أو شفقة بعد أن قطعت صلة رحمك بها !
ويا ويل من ينساق وراء شيطانه الملعون ويقطع صلة رحمه بأمه وأبيه وأخوته تحت حجج ومبررات واهية ، ضعيفة !
  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد عبد اللطيف النجار
        كاتب عربي


تعليقات