قصة قصيرة
ـــــــــــــــــــــ
كل الجسور
بقلم
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
بعض البشر يتفننون في قطع كل الجسور
والعلاقات مع الآخرين ، تظهر كراهيتهم للجميع بلا سبب واضح سوى كراهيتهم للحياة
ذاتها !
كذلك تفعل بعض الزوجات عندما يظهرن كراهيتهن
لأهل الزوج بلا أي مبرر منطقي !
من هؤلاء السيدة حكمت التي نشأت وتربيت وسط
أسرة ميسورة الحال ، تتكون من أبوين مسنين وأخوتها فورزية وعبد الحميد .
الغريب في أمر تلك الأسرة أنها عاشت منغلقة
علي نفسها ، منعزلة عن كل البشر سواء أقارب أو جيران أو أصدقاء .
لا يطرق بابهم أحد ولا يزورون أحد ، كانت
وصية أبيهم الوحيدة لهم هي التفوق في دراستهم الجامعية بكليات القمة .
ورث هؤلاء الأبناء عن أبويهم كذلك البرود
العاطفي والمشاعر الجافة تجاه الآخرين .
حتي فيما بينهم كانت العلاقات باردة جداً ،
لا عاطفة ولا مشاعر فيها !
استمر الأبناء في دراستهم وتفوقوا فيها ،
وفجأة رحل أبيهم عن الحياة ولحقت به أمهم
؛ تاركين لهم ميراث كبير جداً من المال ، ميراث أكبر من الحقد علي الناس !
بعد موت
الأبوين تفرغت أختها الكبرى فوزية للحصول علي درجة الدكتوراه ، ثم هاجرت
إلي فرنسا ، وهناك تزوجت وانقطعت أخبارها عن إخوتها منذ سنوات طوال !
أما أخيها عبد الحميد فكان شغله الشاغل هو
الاستيلاء بأي شكل علي ميراث أخوته فوزية
وحكمت ، وبالفعل ظفر بما أراد !
وأخيراً تزوج عبد الحميد تاركاً أخته حكمت
وحيدة تصارع أمواج الحياة بلا سند أو معين .
مضت الأيام وتعرفت حكمت علي شاب رائع له
مستقبل وشخصية متزنة وخُلق كريم ، ذلك هو عبد الله ، وجدت فيه حكمت ضالتها وارتبطن
به وتزوجته بالرغم من معارضة أهله ذلك الزواج
لمعرفتهم سلوكيات عائلة حكمت الشاذة !
مرت الأيام ورزقهم الله بطفل جميل ، كان أولي
ثمار الحب
بينهم ، ثم بطفلة أخري واكتملت سعادتهم .
كان عبد الله حنوناً مع زوجته ، وأفاض الله
عليه من رزقه ، وعاشوا في مستوي مادي مرتفع .
رغم ذلك كانت حكمت تقسو عليه أحيانا بعصبيتها
الزائدة ، ويتحملها عبد الله راجيا الله أن تعود إلي رشدها وتهتم بتربية أولادها .
لكن هيهات ، هيهات ، فحكمت لم تتعود علي نمط
العلاقات الأسرية الدافئة بين زوجها عبد الله وأسرته ، خاصة أبويه الذين يرتبط
كثيرا يهما ويرجو رضاهما .
زيادة علي ذلك كان يختص أسرته بجانب من ماله
وهداياه .
وطبعا تضايقت حكمت من ذلك وحذرته من أن
يطمعوا في ماله !
كان رد عبد الله عليها : أن الله يرزقه من
حيث لا يدري ولا يحتسب ، فماذا يمنع من أن يشعر أهله وأخوته بأثر نعمة الله عليه ،
حتي يسعد الجميع ويدعون له ولأولاده
بالخير.
لكن عقل حكمت المتحجر وقلبها الحانق علي كل
شيء لم يقتنع بهذا التفسير !
بدأت حكمت تفقد أعصابها مع زوجها كثيرا وهو
يتحمل ؛ حتي أنها تعرضت لأهله بأفظع السباب الجارح في أوقات كثيرة !
كان الرجل حليما وصبورا مع زوجته لأقصي
الحدود .
حتي أن حكمت تصورت أن حلمه وصبره معها سوف يستمر بلا نهاية !
لكن ما حدث كان العكس تماما !
في إحدى مرات الشجار بينهم انفجر فيها عبد
الله كالبركان الثائر وقام بتطليقها بعد عِشرة ثماني سنوات ، بل ويهجرها نهائياً
تاركاً لها كل شيء !
ولم يتدخل أهله ولا أهلها للصلح بينهم !
وهاهي حكمت المتمردة نادمة أشد الندم علي
خراب بيتها بسبب روحها الناقمة علي الجميع ، ونفسها الكارهة لكل الناس حتي زوجها
الحنون !
لقد قطعت تلك المرأة المتمردة كل الجسور
بينهم وبين أهل زوجها ؛ فكان من الطبيعي
أن لا يتدخلوا للإصلاح بينها وبين زوجها ، بل ولم تجد من ينصحها من أهلها ويردع
نفسها الأمارة بالسوء !
هي قد اعتمدت كليا علي صبر زوجها وتحمله كل الإهانات له ولأهله !
لقد تصورت أنه سوف يصبر عليها إلي ما لا
نهاية !
كيف ذلك ؟ ... يقولون للصبر حدود ، كذلك
للألم واحتمال الإهانة حدود !
وتلك كانت حدود زوجها عبد الله ، لقد انفجر
فيها كالبركان
الثائر محطماً كل شيء في طريقه !
وتلك هي حدود النفس البشرية ، تتحمل وتتحمل
وتتحمل ثم يكون رد فعلها العنيف دون الخوف من أي عواقب !
وقديماً قالوا : اتق شر الحليم إذا غضب !
عبد الله كان حليما مع زوجته لأقصي الحدود ،
وهي استغلت حلمه وصبره واعتبرته ضعف في
شخصيته !
كانت حكمت واهمة في تفكيرها المريض ، فزوجها
عبد الله لم يكن ضعيفا أبدا !
بل كان رجلاً بارا بوالديه وأخوته ؛ يدرك
جيدا أن المال مال الله وأن من الواجب عليه الإحسان إلي أهله وذوى قرباه .
وكانت زوجته حكمت علي النقيض من ذلك تماماً ،
بحكم تربيتها وسط أسرة متقوقعة علي نفسها
، يسود بينهم جو من الحقد والكراهية وإيثار الذات
علي كل معاني الحب والتآخي والسلام
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والسلام عليكم ـــــــــــــــــــــــــ
أحمد عبد اللطيف النجار
كاتب عربي
تعليقات
إرسال تعليق