سرديات قصيرة //// شكر الجوارح & & بقلم أحمد النجار // كاتب عربي


 سرديات قصيرة
  ـــــــــــــــــــــ
                  شكر الجوارح   
                                             بقلم
                        أحمد عبد اللطيف النجار
                                  كاتب عربي
            

من لم يشكر نعم الله  ، فقد تعرض لزوالها ، ومن شكرها  فقد قيدها بعقالها !
ذلك قول مأثور للشيخ الحكيم ابن عطاء الله السكندرى .
وتفسير ذلك أن الشكر يكون علي ثلاثة أوجه : شكر بالقلب وشكر باللسان  وشكر بالجوارح .
صاحبي شكري  طبيب مشهور  يقطن في  إحدى المدن الساحلية ، بدأ حياته صبياً صغير ينتمي لإحدى الأسر  الفقيرة المعدمة ، كان يستذكر دروسه في طفولته وصباه علي لمبة جاز وتحت عامود النور  في الشارع ،ويعمل في الأجازات الصيفية لمساعدة نفسه في مصاريف الدراسة حتي وفقه الله وحصل علي بكالوريوس الطب .
واصل شكرى كفاحه وحصل علي درجة الماجستير في جراحة الأوعية الدموية واستقرت أحواله بالزواج وتكوين أسرة صغيرة في مدينة السويس .
انهال عليه الرزق من كل اتجاه ، وبدلاً من أن يشعر بآلام الفقراء  وظروفهم العسيرة  باعتباره عاش  فقيراً معدماً مثلهم ؛ تحول في عمله المهني بالتدريج إلي جزار  يقسو علي هؤلاء الفقراء  البسطاء ويمتص دمهم بلا رحمة ، ويحنو علي الأغنياء  ويتملقهم !
هو لا ينسي  أبداً  حين جاءه يوماً  مريض  بائس كان يحتاج  إجراء جراحة  عاجلة وخطيرة  ، وطلب منه  دفع مبلغ كبير ، ولم يكن مع المريض  سوى نصف هذا المبلغ  فقط !
راح المريض يبكي ويستعطف  الدكتور شكري ، يرجوه  أن يرأف بحاله ويقبل منه ما معه من نقود !
لكن شكرى  أصرّ  علي موقفه وطلب منه تدبير المبلغ الكبير كاملاً  خلال 24 ساعة وإلا فلن يجري الجراحة له !
هرول الرجل المسكين إلي أهل بيته وسارعت زوجته  إلي بيع  مصاغها  القليل وما عندها من ماشية ، وعاد إلي الطبيب شكري  بالمبلغ المطلوب ، وبدأ شكري التحضير للعملية  فإذا بالمريض يموت قبل إجراءها بنصف ساعة فقط !
فلا يفكر شكرى لحظة واحدة في أن يرد المبلغ لأهل المتوفي  المفجوعين والمعدمين ، وإنما يزعم لهم أنه مات أثناء الجراحة ويستولي علي المال المدفوع باعتباره أجر الجراحة ، حتي لو كانت لم تتم من الأصل !!
يا لها من قسوة ، ويا له من قلب ميت لا يرأف بحال الناس البسطاء
وتوالت جرائم الطبيب شكرى في حق خلق الله دون وازع من ضمير أو دين !
لكن ربك بالمرصاد يمهل ولا يهمل ، فعندما كبر أولاد شكري وتزوجوا تخلوا جميعاً عنه  وتركوه يعاني وحده من المرض اللعين
وسافر وحده للعلاج بالخارج وأنفق كل ماله الذي اغتصبه اغتصاباً من الغلابة البسطاء من أبناء الشعب الكادحين !
وهو الآن يجتر ذكرياته نادماً علي حياته السابقة !
لقد عاش الرجل عبداً  للمال ، فاستولي علي قلبه وأحاسيسه وكل مشاعره ، وأصبح الدينار هو إلهه الوحيد وفعل مثلما فعل قارون  من قبل ومسّته لوثة جنون جمع المال الحرام !
أخذ يجمعه بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة ، فأنساه الله نفسه ، ونسي شكر ربه  علي نعمته التي وهبها إياها !
أي إنسان منا يعبد الله حق عبادته  دائماً وأبداً يتقي ربه  في كل جوارحه  وأعضاء جسمه ويؤدي شكرها لخالق الكون والوجود .
قال ابن عباد في تفسير شكر الجوارح : إن رجلاً قد سأل أبا حازم : ما شكر العينين ؟ قال : إذا رأيت بهم خيراً أعلنته وإذا رأيت بهم شراً سترته .
قال وما شكر الأذنين ؟ قال : إذا سمعت بهم خيراً  وعيته ، وإذا سمعت بهم شراً دفنته !
قال  فما شكر اليدين ؟ قال : ألا تأخذ بهم ما ليس لك وألا تمنع حقاً لله فيهما !
قال فما شكر الرجلين ؟ قال : أن رأيت شيئاً غبطته استعملتهما  فيه ، وإن رأيت شيئاً مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله تعالي .
وأما من يشكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه ، فمثله كمثل رجل له كساء  فأخذ بطرفه ولم يلبسه ، فلم ينفعه ذلك  ولم يحمه من الحر والبرد !
وصاحبنا شكرى رغم أنه عاش صباه وطفولته في حرمان ، إلا أنه لم يشعر بآلام الفقراء ، بل أنه تمادى في غيه وتملق الأغنياء من
أجل مالهم ، فكان يبش في وجوههم ويعاملهم أحسن معاملة !!
أما الفقراء فالويل كل الويل لهم إذا ساقهم  حظهم  العسير للوقوع بين يديه !
وها هو الآن نادم علي ما فعل ، ولكن بعد فوات الأوان !
وتلك آفة بعض البشر ، إنهم لا يعتبرون ولا يندمون إلا حين تقلب لهم  الأيام  ظهر المجنّ ، بعد طول استدراج لهم بالنعم مصداقاً لقول المولي عز وجل ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون )  .
لكن الإنسان هو الإنسان لا يتعلم ولا يتعظ حتي يأتيه الموت بغتة ، وكفي بالموت وعظاً يا عمر !
الفقير المسكين دائماً الله معه ، يبارك في رزقه وأولاده وطعامه وشرابه ، بعكس الكثير من الأغنياء الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ونراهم يحبسون أموال الزكاة عن المساكين والمستضعفين في الأرض !
يتوهمون أن المال مالهم ، وهو مال الله !
وكثيراً ما نرى آيات الله واقعاً حياً مجسداً في هؤلاء الأغنياء البخلاء ، فتصيبهم أمراض فتاكة  لم نسمع عنها من قبل ،و تنعدم البركة في أولادهم  وكل حياتهم !!
الملايين من الأغنياء في الدول العربية لديهم المليارات ، والكثير منهم لا يخرج زكاة ماله لأنه أصبح عبداً لهذا المال مثل قارون تماماً ، وفي أوطاننا يوجد الملايين من المشردين وأطفال الشوارع لم يحنو عليهم هؤلاء الأغنياء ، بل يتفاخرون ببناء المساجد والأبراج  والناس من حولهم جياع !!!
وأنظر في العالم الغربي  وأري الملياردير بيل جيتس  يتبرع ( بكل ) ثروته للأعمال الخيرية في كل أنحاء العالم وخاصة أفريقيا !!
انظروا إلي رجال أعمالنا ورجال أعمالهم !
نتمنى أن تصيب رجال أعمالنا حمرة الخجل ويعطفون علي المساكين في أوطاننا العربية وما أكثرهم !
                                        أحمد عبد اللطيف النجار
                                             كاتب عربي





تعليقات